تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
42734 مشاهدة
باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان

قال -رحمه الله تعالى-
باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان.
حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار .


أتى به هاهنا؛ لدلالته على أن الكراهية من شُعب الإيمان ومن خصاله؛ مع أنها عمل قلب، فكراهة الكفر والصبر على الإحراق في النار في الدنيا، والصبر على العذاب في ذات الله تعالى من خصال الإيمان. قد ذكرنا أمثلة لذلك، فالصحابة -رضي الله عنهم- لما أسلم كثير منهم بمكة صبروا على العذاب، وصبروا على الأذى، وكرهوا أن يعودوا في الكفر؛ وذلك لقوة الإيمان الذي في قلوبهم؛ حملهم على أن يصبروا على الأذى في ذات الله تعالى.
وكذلك ما ذُكر من الأمم السابقة، ذكر في قصة إبراهيم أنه صبر على النار؛ لما أنه هدده قومه، وقالوا: حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ أوقدوا النار الكبيرة، ولم يقل: سوف أترككم، ولا أتعرض لكم؛ بل صبر على أن قذفوه في النار؛ ولكن جعلها الله تعالى عليه بردا وسلاما.
وكذلك ما ذكر من أن سحرة فرعون لما أنهم عرفوا الحق قال تعالى: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ فهددهم فرعون وقال: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ فما صدهم ذلك عن الإيمان، صبروا على أن قطع أيديهم وأرجلهم، وعذبهم وقتلهم، وما ردهم ذلك كله عن الإيمان.
فكل ذلك.. دليل على أن الإيمان إذا امتلأ به القلب؛ فإنه يثبت ويرسخ، ولا يتردد ولا يضمحل. هذا كراهة الكفر، والصبر على الأذى من الإيمان.
وكذلك كراهة المعاصي؛ ولو كانت لذيذة عند النفس، ذكرنا ما روي عن بعض السلف أنه قيل له: متى أحب ربي؟
قال: إذا كان ما يكرهه أمرّ عندك من الصبر، يعني إذا كانت المعاصي مُرة المذاق عندك؛ ولو كانت النفس تشتهيها؛ ولكن ينفر منها قلبك؛ لأنك تعلم أن الله تعالى حرَّمها، قد تستحلي النفس بعض المعاصي، وتميل إليها، وتندفع إليها، تندفع مثلا إلى حلاوة الفواحش كالزنا ونحوه والغناء وشرب الخمر وما أشبهها؛ ولكن إذا علم التقي المؤمن أن الله تعالى حرم ذلك أبغضه واستقبحه ونفر منه وعصى نفسه الأمارة بالسوء وابتعد عن كل شيء يقربه من سخط الله تعالى ويقربه من النار؛ لأنه يحب ما يحبه الله تعالى له، ويكره ما يكرهه الله له.
فإذا كانت المعاصي مُرة المذاق عند الإنسان عند المؤمن؛ مع أنها مشتهاة طبعا، فكذلك الطاعات تكون لذيذة في قلب المؤمن؛ ولو كانت ثقيلة؛ ولهذا فإن المؤمنين الأتقياء هانت عليهم الدنيا، هانت ورخصت عندهم أنفسهم، فتعرضوا للقتل في سبيل الله، وهانت ورخصت عندهم أموالهم فأنفقوها في سبيل الله؛ وذلك لأنهم علموا أن الله تعالى يرضى عنهم بذلك. فهذا وجه أنَّ من كره الكفر كما يكره أن يقذف في النار، كان ذلك دليلا على أنه يحب الإيمان، من كره الكفر أحب الإيمان، من كره المعصية أحب الطاعة، من كره الشر أحب الخير، والخير هو ما جاءت به الشريعة؛ ولو كان خلاف ما تهواه النفس أو تميل إليه.